الوكالة بالعمولة

عرفت الوكالة بالعمولة منذ قديم الزمن لتسيير المعاملات بين التجار الذين تفصل بينهم مسافات بعيدة، إذ ظهرت حاجة البائعين والمشترين للبضائع إلى التعاقد مع شخص قريب منهم ويتمتع بثقتهم بدلاً من التعاقد مع أجنبي مقيم في مكان بعيد وقد يكون مجهولاً منهم. ونظراً لتزايد نشاط التاجر واتساع حجم تجارته، فإنه من اللازم تدخل وسطاء متخصصين يتمتعون بقدرات فنية وخبرات علمية تجعلهم أقدر من غيرهم على تولي جميع العمليات المتصلة بنشاط التاجر التجاري، وتتنوع الوساطة التجارية بتنوع العقود التي ترد عليها وباختلاف الدور الذي يقوم به هؤلاء الوسطاء لإبرام هذه العقود ومن بينهم نجد الوكيل بالعمولة الذي تربطه علاقة تعاقدية مع الموكل.

وفي الوقت الحاضر قلت أهمية الوكالة بالعمولة بسبب تقدم وسائل التنقل والمواصلات وسهولة الاتصال بين مختلف المناطق، وكذلك اعتماد المنشآت التجارية الكبرى على فروعها وممثليها التجاريين إلا أنها لا تزال تحظى بأهمية بالغة في مجال التجارة الداخلية والخارجية وذلك بفضل ما تحققه من مزايا للمتعاملين. فالوكالة بالعمولة يسرت على التاجر إبرام الصفقات من بعيد دون الحاجة إلى الانتقال فهي تحقق اقتصاداً في الوقت والنفقات.

تعريف الوكالة بالعمولة

عُرفت الوكالة بالعمولة بأنها “شخص يتعاقد في التصرفات القانونية ولحساب الموكل ويبدو في العقد وكأنما يتعاقد لنفسه، ولكن تنصرف آثار العقد إلى الموكل”. كما عرفت في قانون التجارة المصري بأنها “عقد يتعهد بمقتضاه الوكيل بأن يجري باسمه تصرفاً قانونياً لحساب الموكل”. وبمصطلح آخر يتم تعريف عقد الوكالة بالعمولة بأنه “عقد يلتزم بموجبة الوكيل بالعمولة أن يقوم باسمه بتصرف قانوني لحساب الموكل مقابل أجر”.

كما عرفت الوكالة بالعمولة بأنها “من يأخذ على نفسه أن يعقد باسمه الخاص ولكن لحساب موكله بيعاً وغيرهما من العمليات التجارية مقابل عمولة”.

أهمية الوكالة بالعمولة

  • تعتبر الوكالة بالعمولة صورة خاصة للوساطة في التعامل فهي تتميز بأن الوسيط فيها أي الوكيل هو الذي يتولى بنفسه إتمام الصفقة المكلف بها فيبرم العقد ويتعامل مع الغير باسمه الخاص ولحساب العميل أي الأصيل أو الموكل.
  • تسهل الوكالة بالعمولة على المستوردين والمصدرين عمليات التبادل بينهم دون حاجة إلى الانتقال وتؤدي بالتالي إلى الاقتصاد في الوقت والنفقات وفي أحوال كثيرة قد يجهل التاجر حالة السوق أو يكون من صغار التجار فيمكنه الحصول على احتياجاته عن طريق وكيل بالعمولة وهو في الغالب شخص متخصص ويتمتع بالثقة والخبرة.
  • أنها تؤدي وظيفة ائتمان مفيدة للموكل، حيث يقوم الوكيل بدور الضامن أو المقرض له و ذلك بأن يدفع الوكيل بالعمولة للموكل ثمن البضاعة التي يرسلها إليه قبل بيعها، أو أن يشتري البضاعة المكلف بشرائها ويفي بثمنها للبائع ويسلمها لموكله على أن يدفع الثمن في وقت لاحق أو بأن يأذن للموكل سحب كمبيالات بالثمن.
  • أن الوكيل بالعمولة لا يتعامل مع الغير باسم موكله بل باسمه الشخصي، ومن ثم فهي تخدم التاجر إذا كانت له مصلحة في الاستثمار وعدم ظهور اسمه في التعامل والرغبة في عدم معرفته في الوسيط التجاري.

وللوكالة بالعمولة أهمية وفوائد كثيرة بالنسبة للتاجر (الموكل) أو الغير المتعاقد معه الوكيل بالعمولة أو حتى بالنسبة للوكيل نفسه، وتتمثل ذلك فيما يلي:

  1. أن منتج البضاعة أو صاحب المصنع عن طريق الوكالة بالعمولة يمكن أن يجد لنفسه أسواقاً خارج المنطقة أو البلد الذي ينتج أو يصنع فيها بضاعته أو يعمل فيه وهنا يكون قد وسع منافذ بيعه أو نشاطه التجاري بواسطة الوكيل بالعمولة لإبرام الصفقات خارج منطقة عمله.
  2. أن المشترين يتعاملون مع شخص يقع نشاطه التجاري في منطقتهم أو في بلدهم وهذا يسهل عليهم الرجوع على الوكيل بالعمولة لتنفيذ العقد وخصوصاً في موضوع ضمان عيوب البضاعة التي يشترونها من الوكيل بالعمولة مباشرة وهنا تنتفي الحاجة إلى الاتصال مع منتج البضاعة الذي يمكن أن يكون خارج منطقتهم أو بلدهم.
  3. أن خبرة الوكيل بالعمولة ومعرفته بمتطلبات السوق الذي يتواجد فيه من حيث كمية ونوعية البضاعة المطلوبة في السوق وموعد توزيع كل منتج والقدرة التي يتزايد الطلب فيها على هذا المنتج، يستفيد منها الموكل لكي يخطط وينظم انتاجه ونوعيته حَسب متطلبات السوق التي يزود بها الوكيل بالعمولة.
  4. أن ثقة الموكل بالوكيل بالعمولة وائتمانه على بضاعته المرسلة إليه هي موضع استفادة له، حيث أنه في بعض الأحيان يقوم الوكيل بالعمولة يدفع ثمن البضاعة منقوصاً منها العمولة المتفق عليها بين الطرفين.
  5. أن تعاقد الوكيل بالعمولة باسمه الشخصي يحقق السرية للموكل إذا أراد اخفاء اسمه عن العقد، فالمسؤول هنا هو الوكيل أمام المشتري وليس الموكل أو صاحب البضاعة الموجودة لدى الوكيل.
  6. أن وجود شرط ضمان الوكيل بالعمولة في مواجهة الموكل يسهل حصول الأخير على تنفيذ الغير لعقده المتعاقد به مع الوكيل بالعمولة فبموجب شرط الضمان هو أن يرجع الموكل مباشرة على الوكيل بالعمولة الضامن بمجرد حلول ميعاد الاستحقاق أو ميعاد التنفيذ دون الرجوع على الغير المتعاقد الذي لا يعرفه الموكل أغلب الأحيان.
  7. أنها تعتبر مصدراً جيداً للربح بالنسبة للوكيل بالعمولة وخاصة عندما يحتكر الوكيل سلعة معينة في البلد الذي يعمل فيه.

خصائص الوكالة بالعمولة

الوكالة بالعمولة من العقود التجارية

يعتبر عقد الوكالة عقداً تجارياً بالنسبة للوكيل دائماً متى تم هذا العمل في إطار مشروع، ويكون تجارياً بالتبعية بالنسبة للموكل إذا كان تاجراً وإبرام الوكالة لحاجة تجارته، ويكون العمل مختلطاً إذا كان مدنياً بالنسبة للموكل. فالوكيل بالعمولة تاجر محترف وهو لا يمكن إلا يكون كذلك لأن نظام المحكمة التجارية كالقانون الفرنسي والقوانين التي أخذت عنه لا يضفي الصفة التجارية إلا على “مقاولة” التجارة بالعمولة أي على حرفة الوكالة بالعمولة.

وشرط الاحتراف هو الذي يبرر انفراد الوكيل بالعمولة بحق الامتياز دون سائر الوكلاء، فالوكيل المحترف هو وحده الذي يستحق رعاية القانون إذ يستطيع بفضل امتيازه أن يباشر حزمته على شكل آلي بأن يقبل التعاقد لحساب أي شخص يطلب منه ذلك، أما من يقبل التعاقد لحساب الغير نظير عمولة دون أن يحترف هذا العمل فإنه ليس حديراً بحماية القانون لأنه لا يعرض خدماته على الجمهور بل يختار موكله، وبناء على اعتبارات الثقة الشخصية بعكس الوكيل المحترف الذي يعتبر حق الامتياز ركنا أساسيا في نجاح خدمته.

غير أنه يلاحظ أن الوكالة بالعمولة لا تعتبر تجارية إلا بالنسبة للوكيل بالعمولة سواء كان محلها القيام بعمليات تجارية أو مدنية، أما بالنسبة للموكل فتكون تجارية أو مدنية حسب طبيعة العملية محل الوكالة فتوكيل تاجر لوكيل بالعمولة ببيع بضاعة مثلاً يعتبر عملاً تجارياً بالنسبة للطرفين، في حين أن توكيل مزارع لوكيل بالعمولة ببيع محصولاته الزراعية يعتبر مدني بالنسبة للمزارع وتجارياً بالنسبة للوكيل بالعمولة أي أن الوكالة تعتبر في الحالة الأخيرة عملاً مختلطاً يخضع للنظام القانوني الذي يحكم هذه الفئة من الأعمال.

ولما كان عقد الوكالة بالعمولة تجارياً فيجوز إثباته بكافة طرق الاثبات عملاً بمبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية.

الوكالة بالعمولة من عقود المعاوضة

يعتبر عقد الوكالة بالعمولة من عقود المعاوضة لأنه يتم مقابل عمولة، ومن هنا جاء اسم هذا العقد (بعقد الوكالة بالعمولة)، حيث أن العمولة تعتبر جزءاً من هذا العقد إضافة إلى أنه كعقد وكالة تجارية بشكل عام يستحق الوكيل فيها أجراً في جميع الحالات ما لم يكن هناك نص مخالف. كما يستحق الوكيل بالعمولة عمولة خاصة إذا ضمن من تعاقد معه لمصلحة الموكل وتسمى العمولة هنا بعمولة الضمان.

وعمولة الوكالة تحسب غالباً بشكل نسبة مئوية من قيمة الصفقات الاجمالية التي يربحها الوكيل بما فيها النفقات الإضافية التي يدفعها الوكيل لصالح تنفيذ الصفقة وما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على خلاف ذلك.

فإذا لم تحدد نسبة العمولة فإنها تتم عن طريق العرف المحل الموجود به إذا وجد الذي جرى فيه التعاقد وهذه العمولة تستحق للوكيل بمجرد انعقاد العقد حين ولو تخلف الطرف الآخر عن القيام بالتزاماته الي تعهد بها في العقد المبرم معه مالم يكن عدم القيام بهذه الالتزامات ناجماً عن خطأ ارتكبه الوكيل بالعمولة.

كما تستحق العمولة ولو لم يبرم العقد الذي تدحل فيه الوكيل بالعمولة إذا كان سبب ذلك يعود إلى الموكل أما إذا حالت دون إبرام العقد ظروف أخرى لا تعزى للموكل أو الوكيل بسبب قوة قاهرة أو غيره فإن الوكيل لا يستحق عمولته ألا ما يقرره العرف المحل الذي بمارس فيه وكالته.

الوكالة بالعمولة تقوم على الاعتبار الشخصي

تتميز الوكالة بالعمولة بأنها تقوم على الاعتبار الشخصي حيث يتعاقد الوكيل بالعمولة باسمه الشخصي مع الغير سواء كان هذا الشخص طبيعياً أم معنوياً، وهنا يلتزم الوكيل بالعمولة قبل الغير المتعاقد معه بكافة الالتزامات الناتجة عن العقد وله كافة الحقوق على أن يكون العقد الذي يبرمه عقداً تجارياً.

تعتبر الوكالة بالعمولة كالوكالة العادية من العقود التي تبرم على أساس الاعتبار الشخصي فالموكل بصفة خاصة يتعاقد مع الوكيل لثقته فيه وربما لمعرفته السابقة به وتحتفظ الوكالة بالعمولة بهذا الطابع الشخصي بالرغم من صفتها التجارية نظراً لما يتمتع به الوكيل بالعمولة عادة-من سلطات واسعة في تمثيل مصالح الموكل.

ولما تقتضيه من إنفاق مبالغ هامة ومن ثم ينقضي العقد بموت الموكل أو الوكيل أو بالحجر عليه أو بإفلاسه أو إعساره، وفي حالة ما إذا كان الوكيل بالعمولة شركة فإن العقد ينقضي أيضاً بتصفية الشركة.

غير أنه لما كان عقد الوكالة بالعمولة عقداً تجارياً يصدر لصالح الطرفين فإنه لا يجوز وفقاً للرأي الراجح لأي من الطرفين أن ينهيه بإرادته المنفردة كما لا يجوز للموكل أن يعزل الوكيل بالعمولة دون موافقته ومع ذلك فقد جرى العمل في فرنسا على الاعتراف للموكل الحق الغاء الأمر أو التكليف الصادر منه للوكيل بخصوص عملية معينة بشرط أن يعوضه عن الأتعاب والمصاريف ولكن ليس له أن يستبدل به آخر في نفس العملية وبالمقابل ليس للوكيل أن يعدل بإرادته المنفردة عن الوكالة، كما أن الأسباب المشروعة للعدول في المواد المدنية لا يمكن الأخذ بها عندما يتعلق الأمر بمشروع تجاري حيث يستطيع التاجر أن ينيب عنه غيره.

الوكالة بالعمولة من العقود الرضائية

يعد عقد الوكالة بالعمولة من العقود الرضائية بحيث لا يتطلب القانون إتباع شكلية معينة لانعقاده، وإنما ينعقد بمجرد تطابق الايجاب والقبول لكلا الطرفين (التاجر الموكل والوكيل بالعمولة) دون حاجة إلى الكتابة ، فيتم التراضي بين الموكل و الوكيل على عناصر وطبيعة وماهية العقد والتصرف القانوني الذي سوف يتولاه الوكيل والأجر الذي يتقاضاه، و يكون التعبير عن التراضي صراحة أو ضمناً، ويلزم توافر الأهلية اللازمة لدى كل من الموكل والوكيل بالعمولة لممارسة العمل التجاري لأن الوكالة بالعمولة تعتبر من الأعمال التجارية، كما يمكن أن يتعاقد الموكل والوكيل بالعمولة وهما غائبين، والهدف من ذلك أن الموكل يحاول ايجاد وكالة بالعمولة وبالنتيجة إيجاد عملاء للتاجر خارج منطقة عمله.

الوكالة بالعمولة من العقود الملزمة للجانبين

يعتبر عقد الوكالة بالعمولة من العقود الملزمة للجانبين لأنه يرتب التزامات على عاتق كل طرف من الأطراف، ومن أبرز هذه الالتزامات نجد أن الوكيل بالعمولة يلتزم بتنفيذ العمل المكلف به، وفي مقابل ذلك يلتزم الموكل بدفع العمولة المتفق عليها، والتعويض عن الأضرار التي قد تنجم عن هذا العمل، وستتضح هذه الخاصية عند بيان الآثار التي يرتبها العقد على طرفيه والخاص بآثار هذا العقد، ومن هذه الناحية قد تختلف الوكالة التجارية عن الوكالة المدنية التي ليس من الضروري أن تكون ملزمة للجانبين، فقد تكون ملزمة لجانب الوكيل وحده ولا تنشأ التزامات في ذمة الموكل إذا كانت الوكالة دون أجر ولم ينفق الوكيل مصروفات ولم يصبه ضرر يعوض عنه.

التزامات الوكيل بالعمولة والموكل

التزامات الوكيل بالعمولة

  1. الالتزام بتنفيذ العمل المكلف به والمعهود إليه وفقاً لتعليمات الموكل.
  2. الالتزام بإتباع تعليمات الموكل.
  3. الالتزام بأن لا يكون طرفاً ثانياً في العقد.
  4. الالتزام بتقديم حساب عن الوكالة.
  5. الالتزام بتقديم المعلومات إلى الموكل.
  6. الالتزام بالمحافظة على أموال الموكل.
  7. الالتزام بسرية العمليات التجارية.

التزامات الموكل

  1. الالتزام بدفع عمولة الوكيل بالعمولة بمجرد تنفيذ الوكالة وإبرام العمل الموكل له.
  2. الالتزام برد جميع المبالغ التي أنفقها في سبيل تنفيذ الوكالة.
  3. الالتزام بتمكين الوكيل بالعمولة من تنفيذ الوكالة.
  4. الالتزام بتعويض الوكيل عن الأضرار التي يتعرض لها أثناء الوكالة.

انقضاء الوكالة بالعمولة

تنقضي الوكالة بالعمولة بنفس الأسباب التي تنقضي بها الوكالات التجارية انتهاء طبيعياً كما أنها تنهي انتهاء غير طبيعياً لأسباب سيتم افرادها في الآتي.

  1. إكمال العمل المسند للوكيل أو الذي الموكل به أو الذي تعهد بأدائه.
  2. انتهاء المدة المحددة للوكالة.
  3. وفاة أحد طرفي عقد الوكالة.
  4. عزل الوكيل بالعمولة أو اعتزاله.
  5. فقدان الأهلية أو الحجر على أحد طرفي الوكالة.
  6. إذا أفلس كل من الوكيل بالعمولة أو الموكل على حد سواء.
  7. فسخ الوكالة وتحقق الشرط الفاسخ.

الخاتمة

في نهاية هذا المقال تعد الوكالة بالعمولة أحد صور الوساطة التجارية، إذ يستعين التجار بالوكيل بالعمولة في تصريف منتجاتهم أو ترويج نشاطهم، ويلتزم الوكيل بالعمولة تجاه موكله بعدة التزامات أهمها التعاقد باسمه الخاص ولحساب موكله مع الغير، كما يلتزم بكافة الأعمال القانونية والمادية اللازمة للمحافظة على تمكين الموكل من الانتفاع بالعقد المبرم بين الوكيل بالعمولة والغير، كما يلتزم بالتعاقد مع الغير بنفسه وألا يبرم العقد لمصلحته، كما يلتزم بنقل آثار العقد إلى الموكل.

الوسوم:, , , , , ,

كتابه رد أو تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


جميع الحقوق محفوظة لموقع أحمد محجوب للمحاماة © 2024