جريمة انتحال الشخصية

انتحال الشخصية من الجرائم التي يعاقب عليها النظام السعودي، فهي ظاهرة تكمن خطورتها في استحداث وسائل شتى لإضرار الناس ما أنزل الله بها من سلطان، فمن المسلّم به أن يوجد في كل بناء اجتماعي قدر من السلوك المنحرف عن السوية العامة، وهذا يتجلى في ظواهر شتى أخطرها الجريمة، فلا يخلو مجتمع من الجرائم بأنواعها، فحيثما يوجد تجمعُ بشري توجد الجريمة في شكل من الأشكال، ومهما بلغ تقدم هذه التجمعات، تبقى الجريمة موجودة وتتقدم تبعاً له.

تعريف جريمة انتحال الشخصية

يقصد بجريمة انتحال الشخصية: “أن يدعي المتهم لنفسه شخصية غيره”، وهذا المصطلح وارد تحت عدة جرائم أبرزها جرائم التزوير النصب والاحتيال، وكان التصور العام للانتحال بأنه جريمة ترتكب بفعل عدة طرق، كالكذب في الادعاء والتزوير والنصب.

ويقصد بها أيضًا “الظهور أمام الغير بمظهر الذي تم انتحال شخصيته، بحيث الناظر إليه والمتعامل معه يعتقد دون شك أنه يتعامل مع من تم انتحال شخصيته”.


صور جريمة انتحال الشخصية

يشكل الانتحال خطراً كبيراً على المجتمع فكان لابد من معرفة أنواعه لأخذ الحذر والانتباه إليه، وغالبا ًما يكون الانتحال “بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة” وهذه الواقعة المزورة قد تحدث أضراراً مادية أو معنوية بأن تمس شرف واعتبار الغير.

ومن أهم صور جريمة انتحال الشخصية الانتحال من خلال أسماء الأشخاص ومنها:

  1. انتحال أسماء الأشخاص كذباً: إن انتحال الشخصية من خلال الأسماء جزء من جريمة الاحتيال أو النصب، والتي من طرقها اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، وهو بعينه الانتحال، ويكفي فيها أن يتسمى الجاني باسم كاذب أو صفة كاذبة، كانتحال الرتب العسكرية أو صفة مهندس ليتوصل بهذا إلى الاستيلاء على ممتلكات الغير. ومن أمثلته:
    • أن يقوم شخص بالتقدم للقضاء بصفته شاهداً ويتسمى باسم آخر ثم يدلي بشهادته بالجلسة باسم الشخص المنتحل.
    • أن يتسمى طالب باسم آخر لتقديم الامتحان بدلاً منه، سواء لوظيفة خاصة أو في المؤسسات التعليمية العامة من مدارس وجامعات.
  2. انتحال اسم شخص زوراً: يندرج تحت جريمة التزوير في المحررات وهي تعني: “تغيير للحقيقة المرتكبة بنية التدليس بإحدى الطرق التي حددها النظام، في ختم أو عالمة أو محرٍر يمكنه أن يثبت حقاً أو واقعة ذات آثار قانونية. وينقسم التزوير إلى قسمين معنوي ومادي وهي على النحو التالي:
    • التزوير المادي: وهو الذي يترك أثراً مادياً في المحررات، وأدرج انتحال الشخصية تحت بعض طرقه وهي:
      • وضع إمضاءات أو أختام أو بصمات مزورة، أو ومثاله: أن ينتحل أحدهم إمضاء أو ختمًا أو بصمة شخص آخر بطريقة ما ويضعه في المحرر.
      • وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة، مثل من رفع اسمه من محرر ووضع اسم شخص آخر لينسب له تهمة ما، وبهذا يكون قد انتحل اسمه، ومثل ذلك يحصل في انتحال الصور.
    • التزوير المعنوي: وهو الذي “لا يترك أثراً في المحرر تدركه العين”، ومن طرقه جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وانتحال الشخصية أُدرج تحت هذه الطريقة حيث إن الواقعة محل التغيير هي شخصية الغير التي انتحلها المتهم.

جريمة انتحال الشخصية في المحررات الرسمية والعرفية

من تطبيقات جريمة انتحال الشخصية في محرر رسمي ما يلي:

  • انتحال المتهم شخصية أخ له أمام أطباء مستشفى حكومي، وتوقيع الكشف الطبي على المتهم بهذه الصفة، وإثبات نتيجة الكشف في محرر رسمي.
  • انتحال اسم وشخصية آخر بجواز سفر مزور وانتحال شخصية صاحب الجواز بعد تغيير صورته أمام جهة الجوازات المختصة التي وضعت خاتم الجوازات (بتأشيرة دخول) من مطار الظهران، واستمرا انتحال هذه الشخصية طوال مراحل الضبط والتحقيق أمام الشرطة والامارة.
  • أن يتقدم شخص أمام القضاء بصفة شاهد ويتسمى باسم آخر ويدلي بشهادته في محضر الجلسة بالاسم المنتحل.
  • أن يتسمى أحد الخصوم لدى القضاء باسم غير اسمه الحقيقي.
  • أن ينتحل شخص شخصية أحد الأزواج ويملي على المأذون اشهاد طلاق الزوجة.

أما عن انتحال الشخصية كتزوير معنوي في محرر عرفي فمن أمثلته

  • أن ينتحل شخص شخصية مالك عقار ويملي عقد بيع أو هبة.
  • أن ينتحل شخص شخصية دائن ويملي مخالصة من الدين.
  • أن ينتحل شخص شخصية طبيب ويملي تشخيصًا لمرض أو شهادة طبية.

ولكن الانتحال في هذه الأحوال لا يخلو من وضع امضاء أو خاتم مزور، وهنا يتحول التزوير إلى مادي بعد أن كان معنوياً.

وإذا كان انتحال شخصية الغير -على النحو السابق -من قبيل التزوير المعنوي، فإن استبدال الشخصية يُعد من قبيل هذا النوع من التزوير أيضًا، ومثاله أن يثبت المحقق أو الموثق حضور شخص معين بالأوراق الرسمية دون أن يكون قد حضر بنفسه؛ وإنما أرسل وكيلاً عنه، أو أن يثبت المحضر أنه سلّم الإعلان إلى شخص المُعلّنَ إليه، بينما يكون قد سلّمه إلى تابعه.

وفي كل الأحوال؛ لا يتوافر التزوير المعنوي إلا إذا أثبت الكذب في محرر؛ حتى لا يقف الأمر عند مجرد الكذب الشفوي الذي يصلح أسادا للنصب لا للتزوير.


خصائص جريمة انتحال الشخصية

تتمثل خصائص انتحال الشخصية في الآتي:

  • أنه ذو طابع ذهني، فليس من السهولة أن يمارسه شخص بسيط التفكير فهو يحتاج إلى ذكاء ودهاء وطول نظر وتمحص وتفكير عميق من مرتكبه كما أنه يحتاج إلى خبرة بالمجال المنتحل، ومعرفة بأساليب الخداع والاحتيال والقدرة العالية على الإقناع، ليستطيع تغيير الحقيقة في ذهن الممارس عليه الانتحال.
  • أنه لا يمكن حصر طرقه وغاياته، فطرق الانتحال تتطور مع تطور التكنولوجيا وأنماط الحياة المختلفة، كما أن غاياتها غير محدودة فهي مرتبطة بأغراض البشر غير المتناهية، منها الغايات الصالحة ومنها الخبيثة ومنها التي لا تضر ولا تنفع، كالانتحال للفضول وحب المعرفة.
  • أن أكثر أسبابه مادية وأمنية، فيلجأ الفاعل لممارسة الانتحال غالبًا لسلب الأموال بغير حق، أو للتجسس على الناس أو ترويعهم، إضافة إلى أسباب أخرى نفسية وسياسية وغيرها.

شروط جريمة انتحال شخصية الغير في السعودية

يشترط لكي تتوفر جريمة انتحال الشخصية في المملكة العربية السعودية، ما يلي:

  • أن تكون الشخصية المنتحلة من ذوات السلطة، مثل: رجال الأمن والعساكر والسياسيين أو شخصية مشهورة في المجتمع.
  • أن يكون المجرم قد حقق منافع شخصية أو مكاسب مالية نتيجة انتحال الشخصية، وليس مجرد إدعاء فقط دون فعل.
  • أن يكون للمجرم نية من وراء فعله، فقد تكون نيته من ارتكاب جريمة انتحال شخصية أغراض شخصية أو سياسية أو غير .

الأسباب الداعية لجريمة انتحال الشخصية

يرجع انتحال الشخصية لأسباب عديدة يمكن تصنيفها كالتالي:

  1. أسباب مادية
    • تحقيق مكاسب مادية: من خلال تزوير شخص لشهادات دراسية للحصول على وظيفة ما، أو انتحال اسم شخص ومباشرة عقود بيع وغيرها لكسب المال.
    • السرقة والخداع: فقد ينتحل أحدهم شخصية لسرقة بطاقة ائتمان شخص آخر، أو ينتحل شخص أو مجموعة مهنة رجل أمن لسرقة الناس.
  2. أسباب أخلاقية
    • إلحاق ضرر بالشخص المنتحل من خلال تشويه سمعته، كمن ينتحل اسم شخص آخر مشهور ويقوم بدعوة المجني عليه باسم الشخص المشهور ليستدرجه في مكان ما ويقتله أو يسلب ماله أو يضربه أو غير ذلك من الجرائم.
    • الرغبة في التخفي من أجل تحقيق مصالح شخصية، كمن ينتحل اسم شخص آخر من أجل الحصول على مهنة معينة على سمعة الشخص المنتحل.
  3. أسباب سياسية وأمنية
    • ترويع الناس وإرهابهم من خلال تقمص شخصية شرطي للتهجم على الناس.
    • دفع الضرر والفساد عن الدولة من خلال توظيف الدولة لأشخاص ليقوموا بانتحال شخصيات معينة، إما لكشف أهل الريب والمجرمين الذين يهددون أمن الدولة وبالتالي القضاء عليهم، أو توظيفهم من أجل الاطلاع على خطط دولة أخرى لاتقاء شرها أو دفع ضرر سيلحق بها، أو توظيفهم للاستفادة من خبرات دولة أخرى.
    • الانتحال من أجل ممارسة أعمال عنف وإرهاب كالاغتيالات التي تحصل في بعض الدول.
    • أن ينتحل اسم شخص آخر للسفر على اسمه حتى لا توفقه الجهات المعنية إما لجرم فعله أو حتى لا يمنع لأسباب أمنية.
  4. أسباب نفسية
    • حب الشهرة والظهور فيشعر أحدهم بالنقص وعدم الثقة بالنفس، فيلجأ لانتحال شخصية معروفة لدى الناس، لتصل إليه إ عجابات ومدح الناس فيغطي هذا النقص وتزيد ثقته بنفسه.
    • الشعور بالحقد والغيرة من شخص معين، فيرغب المنتحل بالانتقام من هذا الشخص بانتحال شخصيته ليلصق به جريمة ما.
    • للتسلية وحب الاستطلاع والفضول.
  5. أسباب دينية
    • نشر معلومات غير صحيحة عن الدين لمصلحة جماعة من الناس يرغبون بنشر معتقد فاسد، فينتحلون شخصية داعية معروف بين الناس، ويبثون سمومهم من خلال هذا الطريق.

عقوبة جريمة انتحال الشخصية في النظام السعودي

تختلف عقوبة انتحال شخصية شخص عادي عن عقوبة انتحال شخصية عسكرية، فالعقوبة متفاوتة في النظام السعودي. فالعقوبة تحدد على حجم الجريمة، وما يترتب عليها من آثار سلبية، فجرائم انتحال شخصية رجال الأمن أشد خطورة من غيرها.
فالنظام السعودي حدد عقوبة انتحال شخصية رجال الأمن بالسجن لمدة (3) ثلاث سنوات كحد أقصى أو التغريم المالي بقيمة (50.000) خمسون ألف ريال كحد أقصى أو كلتا العقوبتين.
وفي حال ارتكاب جريمة انتحال شخصية رجل أمن بغرض ارتكاب جرائم إرهابية، تصبح العقوبة المستحقة السجن لمدة أقصاها (10) عشرة أعوام أو غرامة (150.000) مئة وخمسون ألف ريال أو كلاهما.
في حين أن عقوبة انتحال شخصية مواطن عادي تحدد بالسجن لمدة أقصاها (1) عام واحد والجلد (200) مائتين جلدة، وتحدد العقوبة بعد النظر في الجريمة وتفاصيلها.

الخاتمة

  • أحمد عبد السلام علي، التعليق على جرائم التزييف والتزوير في قانون العقوبات في ضوء الفقه والقضاء، (د. ط)، مصر، دار الكتب القانونية، 2007م.
  • جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ط1، لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1976م.
  • عمر الحسيني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال،) د. ط (.
  • محمد زكي أبو عامر وسليمان عبد المنعم، قانون العقوبات الخاص، (د. ط)، بيروت لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 2008م.
  • منصور الراجحي، جريمة التزوير وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (دراسة)، (د. ط)، الرياض، (د. م)، 1999م.
  • د. أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون العقوبات المصري، القاهرة، 1979م.
  • أحمد حسن البرعي، الوجيز في قانون العمل، (د. ط)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003م.

الوسوم:, , , , , , ,

كتابه رد أو تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


جميع الحقوق محفوظة لموقع أحمد محجوب للمحاماة © 2024