الحضانة

الحضانة من أهم الأمور التي أولتها الشريعة الإسلامية عناية خاصة، لأنها تختص بالطفل باعتباره اللبنة الأولى لتكوين الأسرة في المجتمعات، والحضانة أحد أنواع الولاية غير الذاتية، ويبدأ الشقاق حول حضانة الأطفال عندما يحدث الطلاق، وهي عملية مشتركة بين الأب والأم، فلا يدكن للطفل إلا أن يكون مع أحد أبويه، ويتم تحديد أحقية حضانة الطفل بحسب عمره، فإن كاف في المرحلة الأولى فهنا تكون الأم أولى بحضانته، لأن المرأة أقدر على تربية الطفل، وأدرى بما يلزمه وأكثر صبراً على إدارة طلباته وأكثر شفقة عليه، وهي أكثر ارتباطاً بالطفل من الرجل في هذه المرحلة.

تعريف الحضانة في الفقه الإسلامي

اختلف الفقهاء في تعريف الحضانة:

عرفها الحنفية: ضم الأم ولدها إياه إلى جنبها، واعتزالها إياه من أبيه ليكون عندها فتقوم بحفظه وإمساكه وغسل لثيابه.

وعرفها المالكية: حفظ الولد في مبيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه.

وعرفها الشافعية: حفظ من لا يستقل بأموره، ككبير مجنون وتربيته بما يصلحه ويقيه عما يضره.

وعرفها الحنابلة: حفظ صغير ومجنون ومعتوه وتربيتهم بعمل مصالحهم.

أما الظاهرية: النظر للصغير أو الصغيرة بالأحوط في دينهما ثم دنياهما، فإذا بلغا من السن والاستغناء ومبلغ الفهم فلا حضانة.

حكم الحضانة

الحضانة واجبة للصغير والصغيرة، لأن المحضون قد يهلك بتركها، فوجبـت حفاظاً عليه من المهالك »فكفالة الطفل وحضانته واجبة«، في حق الحاضـن إذا لم يوجد غيره أو وُجد ولكن المحضون لم يقبل غيره، لأنه قد يهلك أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظـه عـن الهـلاك، أمـا عنـد تعـدد الحاضـنين فـالوجوب عـلى الشخص الواحد يكون  كفائياً.

لمن حق الحضانة

للأم حق الحضانة ما دام الولد صغيراً، فعـن عبـد الله بـن عمـرو أن امـرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال صلى الله عليه وسلم: “أنت أحق به ما لم تنكحي”.

فالحضانة ثبتت في الشريعة لتراعي حقوقاً ثلاثة هي:

  1. حق المحضون )الصغير أو الصغيرة) في تـأمين حاجـاتهما، ومسـتلزمات حياتهما، من طعـام وشراب وسـكن ونـوم ونظافـة وغيرهـا، لأن المحضـون صغير وعاجز عن توفير ذلك بنفسه، فكان لابد من توفير حاجاته بالحضانة.
  2. حق الحاضنة، لأن لها من الشفقة على المحضون ما لا يخفى، فكان لابـد من تلبية هذه الرغبة، وإشباع هذه العاطفة.
  3. حق الولي، لأنه الـذي ينتسـب إليـه الطفـل، وتجـب عليـه نفقتـه، فهـو المسؤول عن تعليمه وتهذيبه وتخليقه بأخلاق الإسلام، فلا بد من إثبـات حقـه في حضانته.

شروط الحضانة وحق الحاضن في المحضون

لابد مـن توفر شروطاً معينـة في الحاضـن، هي:

  • البلوغ، لأن القاصر ذكراً كان أو أنثـى عـاجز عـن القيـام بـأمر نفسـه، فكيف به يكّلف بالقيام بأمور غيره.
  • العقل، وذلك لأن المجنون والمعتـوه عـاجزان عـن إدارة أمـور نفسـيهما كالقاصر تماماً، فلا يجوز بحال أن يوكل إليهما أمـر تربيـة غيرهمـا.
  • القدرة على حضانة المحضون، وذلك رعاية لحقه.
  • الأمانة على المحضون وأخلاقه وسلوكه.
  • خلو الحاضن مما يضر بالمحضون، كالمرض المعـدي، والنـزق الشـديد، وحدّة الطبع الشرسة الخارجة عن الحـدود المحتملـة، وذلـك حفاظـاً عـلى حيـاة المحضون وصحته وأخلاقه.
  • أن لا تكون الحاضنة متزوجة بغير ذي محرم من الصـغير، وهـذا خـاص بالحاضنات من النساء.
  • أن يكـون الحـاضـن ذا رحـم محـرم مـن المحضـون.
  • أن لا تكون الحاضنة مقيمة مع من يبغض الصغير ويكرهـه، أو مـع مـن بينه وبين المحضون نزاع يخشى منه على حياته وصحته.

مسقطات الحضانة

من أهـم أسباب سقوط الحضانة:

  • أن يسافر الحاضن/الحاضنة سفر نقلة وانقطاع إلى مكان بعيد.
  • أن يكون في جسد الحاضنة/ الحاضن ضرر كـالجنون والجـذام والـبرص وغيرها من الأمراض المعدية التـي تنظـر فيـه المحكمـة وتقـرر خطورتهـا، أو أن تمرض مرضاً معجزاً عن القيام بشؤون المحضون.
  • إذا ثبت بالقرائن عند القاضي فسوق الحاضنة/ الحاضن، ويستثنى الأب إذا كان هو الحاضن لمصلحة يقررها القاضي.
  • أن تتزوج الحاضنة.
  • استنكاف الحاضنة/الحاضن وامتناعها عن الحضانة مـا لم تتعـّين عليهـا.
  • موت الحاضنة/الحاضن، فبموتها تسقط حضـانتها وتنتقـل إلى مـن هـو بعدها في الدرجة.
  • استغناء المحضون عن الحاضـنة/الحاضـن لتجـاوزه سـن الحضـانة، أو موته، أو تزوج المحضونة إذا كانت أنثى، لحلول الزوج محل الحاضن في رعايتهـا، مما يغنيها عنه.

من تجب عليه أجرة الحضانة

لقد اختلف الفقهاء في المدة التي تنتهي عندها حضانة النساء، لينتقل الطفل بعدها إلى حضانة الرجال إذا كان المحضون ذكراً، فيرى الحنفية أن الحضانة على الذكر تستمر إلى أن يستغني عن خدمة النساء، فيأكل ويشرب ويلبس وحده، أما إذا كانت المحضونة أنثى: فيرى الحنفية أن تبقى عند الأم والجدة حتى تحيض، أي تبلغ، أما إذا كانت عند غير الأم والجدة فحتى تشتهى.

وعند المالكية بالنسبة للذكر حتى يبلغ، أما الأنثى حتى تتزوج ويدخل بها زوجها، ولكن بشرط أن يتوافر لها الحرز والتحصين، فلو كانت الأم في مكان غير آمن أو لا حرز للبنت ولا تحصين، فأولياؤها أحق بها.

أما الشافعية فلم يفرقوا بين الذكر كالأنثى، حيث يرون أن مدة الحضانة لكلاهما إلى سن التمييز، وهي سبع سنين، وبعدها يخيّر الولد بين أبويه، فيسلم إلى من يختار، ولكن يشترط أن لا يكون الصبي معتوهًا  أو مجنوناً أو معاقاً.

ويذهب الحنابلة إلى أن الأم أحق بالغلام إلى أن يبلغ سبع سنين، بعد ذلك يخيّر بين أبويه، ولكن بشرط أن لا يكون الغلام معتوهًا  أو مجنوناً.

رؤية المحضون

لأب المحضون حـق رؤيـة المحضـون في فـترة الحضـانة دوريـاً ولـيس للحاضنة منعه من ذلك، ليتمكن مـن الإشراف عليـه، لأن الولايـة حـق للـولي، وهي حق للصغير أيضاً حماية له وضماناً لحسن تنشئته، وكذلك الحال في حق أم المحضون بعد فترة الحضانة، فإن لها الحـق في رؤيـة ابنها دورياً بعد انتهاء حضانتها له وتسليمه للولي، ولكن لا يـؤمر الـولي بإرسـاله
إليها، بل يمكّنها من رؤيته في المكان المناسب الذي يحدّده هو لهـا أو يـتم الاتفـاق عليه.

الوسوم:, , , ,

كتابه رد أو تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


جميع الحقوق محفوظة لموقع أحمد محجوب للمحاماة © 2024